السبت، 18 أغسطس 2018

الكردي الثائر ابراهيم عبدكة ( ابن عبدكة ) وتفاصيل مصرعـــه....
يعد الكثيرون ابراهيم عبدكة اكبر واشهر شقي عرفه المجتمع العراقي خلال الفترة التي امتدت بين أواخر العهد التركي وتأسيس الحكومة العراقية والى يومنا هذا، وذاع صيته وضربت به الامثال من حيث الشقاوة والقوة والشهامة والمروءة ايضاً، وقد وصمه اعداؤه ومطاردوه بالقاتل والشقي واللص وقاطع الطريق وزعيم عصابة وما الى ذلك من نعوت، والحكومة العثمانية وضعت مكافأة مجزية (بعد ان عجزت عن القبض عليه) لمن يأتي به حيا او ميتا، ولكن الذين عرفوه عن كثب والكثير من الشخصيات العراقية المرموقة والصحافة لهم فيه رأي آخر، ومنهم السيد محمد الصدر، والسيد محمد الخالصي، والدكتور علي الوردي، ورشيد عالي الكيلاني وسليمان فيضي وغيرهم من العلماء والشخصيات. ولد ابراهيم عبدكة في قرية ذيابه القريبة من شهربان لاسرة متوسطة الحال ، تسكن بيتاً طينياً وتعيش على بستان صغير، وهو الاخ الاصغر لاسرة متكونة من ثمانية اشخاص ، الاب والام 
وأسمها ( سرية ) وثلاثة أولاد هم ( عبد و كاظم و ابراهيم ) وثلاث بنات هن ( مريم و حليمة و جسومة ) وهم من عشيرة كلاواي الكوردية الفيلية ، وانتقلت العائلة الى بغداد في منطقة باب الشيخ والتي كانت غالبية سكانها من الكورد الفيليين. كان ابراهيم انساناً وديعاً مسالماً شاءت الاقدار ان تحوله رغماً عنه الى مجرم ومقاتل عنيد وطريد للدم والعدالة لسنوات طوال وقصته هي: تقدم عبد شقيق ابراهيم الاكبر لخطبة فتاة من عشيرة العزة وحصلت الموافقة وتم عقد القرآن وسط حفل بهيج وبعد فترة قصيرة، فوجىء عبد باعتراض ( نهوة ) عمومة الفتاة ، فلم يرتدع عبد من اعتراضهم وأصر على زواجه منها ، وحجته أنهم لم يعترضوا قبل عقد القران او اثناءه رغم علمهم وحضور أهاليهم في الحفلة ، وذات يوم جاءه نجم بن زهو العزاوي احد ابناء عمومة الفتاة وصديق حميم لعبد، وكان مؤيداً لزواجه، ورجاه مصاحبته الى حفلة عرس في منطقة العزة في الفضل في بغداد. فرافقه بسلامة نية وكان أعزلاً وأستدرجه الى بستان وعلى غفلة منه طعنه بمدية (خنجر) من الخلف فسقط عبد على الارض واجتمع عليه عدد من شباب عزة وأجهزوا عليه طعناً بالسكاكين . ولما بلغ نبأ مصرع عبد عائلته ، أبى ابراهيم ان يرفع جثة اخيه ويدفنها قبل الانتقام من قتلته ، وخرج حاملاً بندقية أخيه القتيل والتحق به كل من محمد العباس وحسين الشمام ، حيث قام بقتل نجم زهور العزاوي والكثير من شباب العزة وهرب ومعه محمد العباس وحسين الشمام الى بساتين وأدغال منطقة ديالى، وهكذا وجد ابراهيم نفسه طريد القانون ومطلوب الدم ، وتجمع حوله الكثير من الاعوان وذاع صيته في انحاء العراق، وقد لاحقته الحكومة ورجال الدرك ردحاً طويلاً من الزمن وقد قتل الكثير من رجال الحكومة دفاعا عن النفس . وظل طليقاً يتنقل في بساتين بعقوبة بعد ان خابت مساعي الحكومة في القبض عليه. وأثناء ثورة العشرين لبى ابراهيم نداء المرحوم السيد محمد الصدر والمرحوم السيد محمد الخالصي في الجهاد ضد الانكليز وأتخذ من مدينة خرنابات مقراً له. وبعد استعادة الانكليز بعقوبة وشهربان وتيل تاوه، توجهوا بقوة عسكرية كبيرة نحو خرنابات، وفي يوم 25أيلول عام 1920أخذ الانكليز يدكون مقر ابن عبدكه بقنابل مدافعهم فسقط جراء ذلك الكثير من أتباعه شهداء، ثم احتل الانكليز خرنابات بعد مقاومة عنيفة وشرسة من قبل ابراهيم واتباعه وأهالي المنطقة، وأخيراً هرب ابراهيم الى المحاويل، حيث التجأ الى أحد اصدقائه من شيوخ المحاويل، وصدر في صحف بغداد في حينها بلاغ بهذا الخصوص جاء فيه، في يوم 28أيلول حوصرت قرية خرنابات الواقعة على بعد ثلاثة أميال شمال شرقي بعقوبة بغية القبض على الشقي المعروف ابراهيم عبدكه الا انه تمكن من الفرار بعد قتل 31 من أتباعه وأسر 19منهم. وأخيرا القت السلطات القبض عليه في بساتين بعقوبة بعد تطويقه ونقل الى بغداد تحت حراسة مشددة وأحيل الى المحكمة، وفي يوم 23 من تموز 1921 عقدت الجلسة الاولى للمحكمة برئاسة القاضي الانكليزي (وايدمان) وعضوية كل من عبد المجيد الياسين ويوسف السويدي، وأكتظت المحكمة بالجماهير المحتشدة وأتخذت اجراءات مشددة لحفظ الامن والنظام نوهت اليها جريدة الشرق، وفي 21تشرين الثاني 1921، قضت المحكمة بالاعدام شنقاً حتى الموت على ابراهيم عبدكه وفق المادة 80/213 من قانون العقوبات العراقية، وعلى كل من محمد العباسي وحسين الشمام بالسجن لمدة عشر سنوات مع الاشغال الشاقة، وكتبت جريدة العراق، أن ابن عبدكه تلقى صدور القرار عليه بكل جلد وشجاعة، وقد ميز محامي الدفاع معروف علي أصغر قرار المحكمة، إلا ان محكمة التمييز أيدت الحكم وخفضت الحكم على رفيقه الى خمس سنوات. وكتب محاميه وخلال طلب الى الملك فيصل الاول (أني واثق أن جلالة مليكنا المفدى سينظر في هذا الأمر بعين الرحمة والرأفة) وبجهود هذا المحامي وضغط الصحافة والمواطنين على الملك والشارع العراقي، وتدخل السيدان محمد الصدر ومحمد الخالصي، ورفض عضوي محكمة التمييز، رشيد عالي الكيلاني وسليمان فيضي تصديق حكم الاعدام، ليخفف الملك حكمه الى خمسة عشر عاماً. وكتب عنه سليمان فيضي في مذكراته وكان أحد اعضاء محكمة التمييز قائلا: ان ابن عبدكه ثائر شعبي من عامة الكورد، أشتهر بالشجاعة والاقدام وكانت له اثناء ثورة العشرين مواقف مشرفة ضد الانكليز في لواء ديالى، ولما نشبت الثورة العراقية وأخلى الانكليز بعقوبة ، دخلها ابن عبدكه ونصب نفسه مديراً عليها وبطش بالجواسيس وقتل بعضهم ، مما أثار حقد الانكليز عليه ، وكتب ايضا عندما حكم على ابن عبدكه بالاعدام ، وافق الرئيس وعضوا ن على تصديق حكم الاعدام وعارضته أنا ورشيد عالي الكيلاني، فتأجلت الجلسة عدة مرات وكانت تأتينا التوصيات المتكررة من المندوب السامي بتصديق الحكم فلم نأبه وقد شغلت هذه المحكمة الرأي العام، فكنت أرى قاعة المحكمة وفسحتها مكتظة بالناس وكانوا كلما خرجت أنا ورشيد عالي الكيلاني، هتفوا لنا وكبروا موقفنا لانقاذ أبن عبدكه من حبل المشنقة، وصدر الحكم بتصديق حكم الاعدام باكثرية الاصوات، ودونت معارضتنا أنا ورشيد عالي الكيلاني على نص القرار، فلما اطلع عليه الملك امتنع عن تصديقه وأمر بتخفيف العقوبة. ويقول الدكتور علي الوردي ان ابراهيم عبدكه كان بطلاً شعبياً ذا مروءة لا يعتدي على الضعفاء والفقراء والنساء وكان ذلك من الاسباب التي دفعت الناس الى الاعجاب به ومساعدته للتخلص من مطاردة الحكومة له. وذات يوم سأله احد اقاربه من باب الاستطلاع، كم قتلت من الناس ياابراهيم...؟ فأجابه بحدة لا تقل كم قتلت..؟ ولكن سلني كم ظلمت، فأنا لم أظلم احداً في حياتي، ولكني عاقبت القتلة والمجرمين عند غياب القانون، كما ساندت ثورة العشرين وقتلت الكثير من المتجاوزين على بلادي لضعف الحكومة فيها. وكان ابراهيم موضع حب وتقدير غالبية العشائر الموجودة في منطقة ديالى وذلك بسبب ما تمتع به من خلق عال وأنسانية، فقد عاشت المنطقة بفضله ردحاً من الزمن في أمن واستقرار، وكان القاضي العادل والحكم في خصوماتهم لا يتردد في اغاثة من يستنجد به لظلم وقع عليه من اللصوص. اطلق سراحه عام 1936 واشتغل كمراقب في دائرة الاثار في لواء الحلة وتزوج من ( صفية بنت كوزه ) احدى قريباته في سدة الهندية وانجب منها أبنة اسماها ( صبرية ) ، وفي اواخر عمره اصيب بالشلل النصفي وفي مساء يوم 5 / ايلول / 1954، اطلق سهيل بن نجم زهو العزاوي عليه الرصاص أثناء خروجه في موكب عزاء الامام الحسين في العاشر من محرم وأرداه قتيلاً ، وشيع جثمانه بموكب عظيم من الاقرباء والاصدقاء والمعجبين الى مثواه الاخير في النجف الاشرف.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق